Pages

mercredi 23 octobre 2013

تحقيق .. التحرش الجنسي..حوادث يومية, و شكايات لنساء يحكن تجربتهن




استفحلت ظاهرة «المعاكسات» والتحرش الجنسي في الشارع ،الأماكن العامة، الجامعة والعمل ... لتصبح سلوكا يوميا و«اعتياديا...»، هنا شهادات لنساء من مختلف الفئات والأعمار...، تعرضن للتحرش الجنسي.
سناء ، كغيرها من النساء المغربيات اللواتي يتحدثن عن المعاكسات والتحرش الجنسي في الشارع العام ، ترى أن الموضوع شائك ومتشعب ، لأن التحرش يكاد يكون اليوم منظرا مألوفا وسلوكا اعتياديا مسكوتا عنه، ومن الصعب الغوص في أغواره بحكم العقلية والذهنية المغربية المركبة، كذلك يصعب الحصول على شهادات وشكايات موثقة لنساء تعرضن للتحرش، ما يساهم في تفاقم هذا «الجرم» يوما بعد يوم.
اليوم سناء ، حياة ،... وأخريات قررن كسر جدار الصمت، ليتحدثن عن معاناتهن مع سيناريو يتكرر بدل المرة عشر مرات في اليوم.
حياة، فتاة قاصر، تسكن بأحد الأحياء الشعبية، تتحدث عن التحرش الجنسي في الشارع العام، وسط ازدحام وصخب المدينة الغول...
«ذات يوم خرجت رفقة أختي نتمشى قليلا، كنت أرتدي بلوزة زرقاء وسروال جينز، وبالمحاذاة منا كانت تسير السيارات والشاحنات والدراجات النارية...، في لمح البصر، مر كالصاعقة، يصرخ ويضحك بأعلى صوته، متلفظا بعبارات مخلة بالحياء، (غير معقول ، يا للهول، ضرب الحقير بيده على مستوى مؤخرتي)... حينها صرخت بأعلى صوتي من شدة الغيض، لكن دون جدوى، لم يبال أو يتدخل أحد الراجلين أو المارة».
حنان شابة في مقتبل العمر، تحكي عن معاناتها قبل وبعد ارتدائها الحجاب...
«أنا فتاة ، كنت قبل وضعي الحجاب، ألبس الجينز والتنورات القصيرة... آنذاك حسبت أنه من الطبيعي أن أتعرض للتحرش، إلى أن جاء يوم اقتنعت فيه بضرورة ارتداء الحجاب، ليس بسبب المعاكسات، بل لاقتناعي بضرورة ذلك، إذ بات سيناريو التحرش والمعاكسات أمرا حتميا، عودت نفسي عليه. حينما وضعت الحجاب، ظننت بأن الرجال سيتوقفون عن مضايقتي، لكن حتى وأنا مرتدية حجابي هذا، فلم أسلم من هذه العادة السيئة. حينها أيقنت كل اليقين بأن التحرش الجنسي سلوك مرضي، يجب تقويمه» ، مضيفة «كنت أعبر الشارع العام، إذا برجل في عقده الخمسين، شيب الوقار يملأ رأسه،... يبدو متزنا... ، ظل يلاحقني بسيارته، مما اضطرني إلى الجري من زقاق لآخر، لكن دون جدوى... كان هذا الأخير يعترض طريقي محاولا طمأنتي. انتابني شعور بالرعب الشديد، فلم أجد أمامي سوى مخدع الهاتف لأحتمي به، توجه صوبي بعبارة ساخرة قائلا: «أ زين غير تعالي راني ما تناكلش، بغينا غير نتعرفو عليك و نبسطو شي شوية...».
لافرق بين المحجبة وغيرها
غدت ظاهرة المعاكسات والتحرش الجنسي سلوكا يوميا، غير مرتبط باللباس، سواء كان محتشما وفضفاضا، أو لباسا يظهر جمالية المرأة ويبرز مفاتنها. فالمرأة معرضة للتحرش الجنسي والمعاكسات مئات المرات في اليوم سواء كانت محجبة أو غير ذلك.
تضيف أمل بعبارات أسى وحزن شديد...«فقدت الأمل وأصبحت أعاني من تسلط وتدخل الرجل... في أواخر شهر شعبان الماضي ، كنت على موعد مع خطيبي، نزلت إلى الشارع العام مرتدية فستانا يظهر ساقيَّ المكتنزتين، توجه نحوي شاب يلبس جينز، كان هذا الأخير يتمايل في مشيته. يبدو شاحب اللون ومحمر العينين. يحمل بيده اليمنى سيجارة، ويلوح بيده اليسرى نحوي، يتصاعد من فمه الدخان، اختلطت رائحة السجائر برائحة عرقه النتنة. رمقني هذا الأخير بنظرة حقد دفين، ثم مد يده وكأنه سيضربني، انتابني شعور بالخوف. تساءلت في قرارة نفسي من هو؟ من يكون؟ وماذا يريد مني...؟ رفع يده بكل وقاحة يهددني و يحذرني بعبارة: «و اا البنات رمضان جاي خليونا نصوموه على خاطرنا ، نقصوا من لباس جينز والصايات القصيرة ، كونو تحشمو شوية راكم مبقيتوش مسلمات...» ! كان يصرخ في وجهي بشكل هستيري مشككا في عقيدتي، ماذا عساي أن أفعل؟ شعرت بغضب شديد، ووددت لو أحطم وجهه...لكنني أدرت ظهري وتركت «الحقير ينبح كالكلب غير مبالية بشتائمه وسبه المسترسل». ولتجنب معاكسة هذا وذاك، توقفت عن ارتداء التنورات القصيرة، تصفيف شعري واستعمال مساحيق التجميل... لكن دون جدوى. فلو لبست المرأة «خيمة متنقلة»، لن يتوقفوا عن الإساءة لها بهذا السلوك ، لأن هذه «العادة السيئة أصبحت شرا لابد منه بالنسبة للعديدين...».
مواقف ودلالات
مواقف عنيفة لأشخاص حاقدين على المرأة والمجتمع، تسيء بشكل سلبي للرجل، وتخل بالتزاماته و واجباته نحو المرأة. ويمكن اعتبار هذه التجاوزات غير الأخلاقية والمخزية، بمثابة ممارسة قهرية من طرف رجل ضعيف وفاشل يحاول التظاهر بالقوة، ملغيا بذلك كيان المرأة وأبسط حقوقها في أن تحترم.
إن هذه العادة السيئة جعلت العديد من النساء لا يخرجن إلى الشارع إلا إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك ، مخافة الوقوع في مشاكل أو التعرض لصدمات نفسية تكون آثارها وخيمة.
ألم ذو طعم خاص
سعاد ،اسم مستعار، تضاف إلى سجل الصارخات... لتحكي معاناة وعذابا ذا طعم مر... كان من الصعب التحدث إلى السيدة سعاد في هذا الموضوع نظرا لحساسيته وتأثرها الشديد، تقول :«أنا امرأة متزوجة...ذات يوم ركبت حافلة مكتظة للذهاب إلى المستشفى. آنذاك استغل أحد الرجال المتحرشين الازدحام، وكان من حين لآخر يتكئ عليّ بكتفه، يلامس أحيانا صدري وأخرى خصري، و في آخر مرة احتك بمؤخرتي . أحسست بضيق شديد في صدري، تضايقت كثيرا وانزعجت من أفعاله الشائنة. لكن حاولت ضبط أعصابي، وطلبت منه بكل أدب عدم الالتصاق بي». كان يصرخ كالوحش الكاسر بعبارات استهزاء واستخفاف: «الطوبيس للدراوش و اللي بغا التيساع و الراحة يضرب إيدو لجيبوا وياخذ طاكسي احمر ... » لم أعره اهتماما وأدخل معه في نقاش مطول، بل لزمت الصمت، وصبرت على ما أصابني. لكن بعد أن نزل ركاب الحافلة، لمست بيدي «جلابتي» فإذا بي أجدها مبللة. عندما تحسست ذلك البلل ، أيقنت حينها أن «تلك المادة اللزجة بلون يميل إلى الأبيض أو الأصفر هي السائل المنوي للرجل»! آنذاك شعرت بالغثيان وضرورة إفراغ ما بجوفي، اغرورقت عيناي واحمر وجهي، شلّت حركتي ولم تعد رجلاي قادرتين على حملي. منذ ذلك الحين أصبت بعقدة نفسية، وبدأت أشعر بأن يدا خفية تحاول أن تلمسني باستمرار... إنه ذات السيناريو يتكرر... كلما رأيت حافلة بالشارع العام »!
«جريمة العنف النفسي»
يمكن تصنيف التحرش الجنسي في خانة الجرائم التي لا تعتمد منهجية سيل الدماء والقتل، بل نوع آخر من الجرائم النفسية المسكوت عنها في ظل تواطؤ المجتمع، جماعيا واجتماعيا، نتيجة إكراهات العقلية الذكورية.
نعرض الشكاية الموثقة الوحيدة لموظفة بمصلحة عمومية، تعرضت ل«جريمة العنف النفسي» في مقر عملها، من لدن مديرها حيث اتهمته ب «الإغراء والإغواء ثم الابتزاز عند عدم خضوع الضحية».
(س.ع) موظفة بمصلحة عمومية، تعرضت للتحرش الجنسي من طرف مديرها في العمل قبل وبعد الزواج، حيث عرض عليها هذا الأخير «الذهاب معه إلى شقته لمعاشرته جنسيا»...لكن عندما رفضته وتمنعت عن ذلك، لم يتراجع هذا الأخير عن التحرش بها، بل حفزه ذلك وزاد من إصراره، كذلك ازدادت رغبته في إخضاعها عنوة عبر تسلطه وجبروته. دخلت الضحية في حرب مع الإدارة، إذ حاول المدير إخضاعها بالقوة عبر «تهديدات وابتزازت متواصلة»، حرمها من عدة امتيازات وظيفية «المكافأة، العطل السنوية، الحوافز، الترقية...» ولم يرحمها خلال مدة 10 سنوات وهو يلاحقها بلا ملل. التجأت الموظفة إلى القضاء والمصالح المختصة، فكان الجواب ملخصا في «ماعدنا مانديروا ليه، جاتنا حجرة ثقيلة»! ونتيجة الضغط النفسي اضطرت الضحية إلى خوض الإضراب والاعتصام «وصلتُ مرحلة قاتل أو مقتول»!
الشارع غير المؤمن...
إن ما يجمع بين سناء، وحياة وحنان وأمل وسعاد ... هي معاناة يومية تكاد تكون دائمة، متواصلة ومسكوت عنها.
أصبح من غير المستطاع للفتاة التجول في الشارع بحرية، مخافة أن يتربص بها أحد المتحرشين، ويسيء لها قولا وفعلا وتلميحا. فهناك من يطمع في جسدها وكأنها فريسة أو طبق شهي سرعان ما ينقض عليه. أما بعض المتحرشين فقد سولت لهم أنفسهم الاعتداء عليها، حيث تم تسجيل حالات لفتيات عانين من التحرش الجنسي. ليتحول الشارع غير المؤمن إلى مسرح جرائم لرجال متعطشين للدم و الجريمة، وهنا نشير إلى حالة «مول البيكالا» بمدينة تزنيت، الذي قام بالاعتداء على «مؤخرة» العديد من الفتيات!
كان الجاني يجوب أقطاب المدينة مغرب كل يوم، على متن دراجته العادية، وفي كل مرة شاهد فتاة ترتدي سروالا من نوع الجينز أو تنورة قصيرة، يضع قناعا على وجهه على شكل «قب» مفصول من معطفه، «يطعنها» من الخلف على مستوى الردفين أو الفخذين، ثم يلوذ بالفرار فوق دراجته ليختفي بين الدروب.
هؤلاء الضحايا تعرضن لجروح عميقة ، مما استدعى تدخلا جراحيا سريعا لتطبيب الجراح، كذلك تم توثيق شكايات للضحايا لدى مراكز الشرطة لإيقاف سفاح ومجرم، خلق ضجة كبيرة وأرعب أوساط الأسر التزنيتية.
التحرش... والكبت
يعتبر التحرش الجنسي فعلا إراديا، نابعا من الشعور النفسي بأن الرغبة الجنسية لدى الفرد مكبوتة و بحاجة إلى إشباع. بعيدا عن هذا التعريف واعتمادا على شهادات الضحايا من النساء والتجارب المعيشة، لا يمكن الجزم بفرضية واحدة، بل تختلف عوامل هذا السلوك اليومي من شخص لآخر، لتبدو الظاهرة في بعدها الجوهري غير مرتبطة بلباس وجمالية ومفاتن المرأة، فهي معرضة للتحرش الجنسي والمعاكسات سواء كانت محجبة أو غير ذلك، وبدل المرة الواحدة مئات المرات في اليوم . أما في بعض الحالات فيظهر جليا أن التحرش الجنسي، ليس وليد رغبة جنسية، أي أنه ليس بدافع جنسي، وإنما الغرض منه هو الإذلال والتحقير والحط من مكانة المرأة في مجتمع ذكوري لا يؤمن بقدراتها. وأحيانا تنعكس الصورة فيصبح التحرش الجنسي أول مرحلة وخطوة للاغتصاب، حيث يتربص المجرم بالمرأة فريسته كحيوان مفترس وسرعان ما يفتك بها.
من هو المتحرش؟
يبقى من الضروري التركيز على الجوانب النفسية ، والاقتصادية والاجتماعية كذلك السوسيوثقافية لهؤلاء المتحرشين وضحاياهن.
عندما يتعلق الأمر بالأسباب المباشرة لتفشي ظاهرة التحرش الجنسي في المجتمع على هذا النطاق الواسع، فيجب تسليط الضوء على عوامل عدة من بينها؛ غياب الوازع الديني والقيم الأخلاقية، قلة الوعي، التعصب، غياب النخوة والرجولة، التخلف، الجهل، انعدام الضمير والأخلاق والشرف، البطالة، الانحراف، غياب الأمن الكافي لضبط السلوك المخل لبعض المواطنين من الرجال في الشارع العام . كذلك هيمنة العقلية أو الفكر الذكوري المتسلط ، إلى جانب مخلفات الموروث الثقافي الشعبي، و الاحتفاظ بالصورة النمطية للمرأة الخاضعة لرجل مُستقوي، وهيمنة الشخصية المرضية التي تشبعت بأفكار متطرفة تربط المرأة بالجنس، تلغي أدميتها وتصورها كأداة للمتعة.
في ظل هذه الإكراهات المطروحة، يظل مشروع مجتمع حداثي وديمقراطي مجرد حبر على ورق، لأن هناك تواطؤا اجتماعيا و جماعيا.
مصائب لا تتوقف، ومحن لا تنتهي، والظاهرة في اتساع، ليس لأن سناء ، حنان وأمل وسعاد وغيرهن تعرضن للتحرش، ولكن لأنهن نماذج لنساء مغربيات صودرت حريتهن، ولا يطالبن بعقوبات زجرية كما يحصل في مجتمعات أخرى ، لكن فقط يطالبن بأبسط الحقوق التي تخول لهن السير في الشارع العام، والتنقل بكل حرية في الفضاءات والأماكن العمومية، دون التعرض لاعتداء لفظي وعنف جسدي أو إيحاءات وتلميحات جنسية.
قانون.. حتى إشعار آخر!
بدأت المسيرات النضالية لمناهضة العنف النفسي ضد المرأة منذ التسعينات، لتشتغل الحركة النسوية الوطنية على الموضوع سنة 2003، وبضغط قوي خرج القانون الى حيز الوجود. فعلا تم سن قانون سنة 2008، لكن لم يتم تفعيل هذه المادة من القانون الشكلي503/1 نظرا لغياب الشهود العيان، كذلك امتناع الضحية عن التبليغ خوفا من الفضيحة الاجتماعية والإدانة عند الشكاية، يجعلها تستسلم لقانون الصمت.
وللخروج من دائرة الصمت، على الحكومة والوزارة المعنية بشكل خاص، التدخل بشكل عاجل لإيقاف الفوضى، وضع خطط عاجلة لمواجهة الظاهرة من خلال استحداث تعديلات تشريعية، تصنف جريمة التحرش باللفظ أو اللمس على أنها جريمة مستقلة، تعرض «المتحرش» للعقوبة، الحبسية والمادية. كما يجب تعديل وتفعيل المادة503/1 من القانون الجنائي، وفقا لما جاء في مقتضيات الدستور واستنادا إلى المادة 19، بحيث تناولت موضوع المساواة بين الجنسين في الحقوق المدنية، ما ينصف المرأة، يحفظ كرامتها ويصون حقوقها. مع نبذ كل أشكال التمييز، تربية الجنسين على احترام بعضهم البعض، تفعيل الأسس التربوية، كذلك تلقين الأطفال تربية سليمة، إضافة إلى تأمين محيط مستوى التعليم، تغيير السلوكيات والأنماط الاجتماعية. فتح مجال الحوار ومناقشة الموضوع أسريا، الانفتاح على الثقافة الجنسية والتربية الجنسية الجماعية، تبليغ الأسرة في حالة التعرض للتحرش الجنسي، تفعيل القوانين والحرص على تطبيقها بشكل نزيه. تعبئة الرأي العام والمجتمع المدني عبر القيام بحملات تحسيسية وتوعوية تحارب التحرش الجنسي، محاولة التواصل ونشر الوعي في صفوف السكان بواسطة الإعلام المقروء والمسموع والمرئي.
إلى أن يتحقق كل ما سلف يبقى السؤال: متى سيتم ضبط الأمن في الشارع؟ متى ستنمحي هذه الاعتداءات الماسة بكرامة وإنسانية المرأة؟...متى يمكن أن تتجول النساء ، من كافة الأعمار ، بكل حرية في الشارع العام؟...متى تغادر المرأة خانة أداة للمتعة ؟


-نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 10 - 2013 

0 commentaires :

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code والماس عروسة الأطلس